كعادتي عندما انتهي من رواية أحببتها، حاصرتني تساؤلات عديدة، وكان أبرزهم: لماذا لا يتم قراءة "المستنقعات الضوئية" بشكل أكبر؟ ولماذا لا يتم قراءة "إسماع كعادتي عندما انتهي من رواية أحببتها، حاصرتني تساؤلات عديدة، وكان أبرزهم: لماذا لا يتم قراءة "المستنقعات الضوئية" بشكل أكبر؟ ولماذا لا يتم قراءة "إسماعيل فهد إسماعيل" بعيداً عن عمليه الأبرز والأشهر؟ فهذه الرواية القصيرة من أدب السجون، والتي يُمكن أن تلتهمها في جلسة واحدة، أسرني جمالها، وتكثيفها، لمستني سوداويتها المقيتة، وأزعجتني واقعيتها حتى النهاية، فرغم مرارة الحياة، أحياناً نتعشم ببعض الأمل، كحال "حميدة" بطل الرواية، الذي سُجن بسبب جرم ارتكبه دفاعاً عن أخر وليس عن نفسه، وكإنها رسالة بأن نظل بجوار الحائط ولا نتدخل في الطبيعة الحيوانية التي يتحول إليها العالم.
بسبب جرمه في نظر المجتمع، يعيش حميدة أياماً عسيرة في سجنه، يحترمه الجميع ويُحبه حتى لو تجاوز في حقهم، له مهابة حقيقية بسبب مآسأته وليس جرمه، قليل الكلام لا تكاد تسمع صوته، ولكن عندما يتكلم، تتعجب من أن هذا الصامت يقول مثل هذه الأفكار، وذلك ما يُثير إعجاب من حوله، ولكنه لا يستغل أياً من ذلك، فهو يرى الحياة عبثية، أحياناً يتأرجح بين رغبته في الإنتقام الدنيوية، واقتناعه بأن كل ذلك لا جدوى له، فماذا بعد أن ينتقم؟ نفس الدائرة، وهو ما أكدت عليه النهاية، بأن حياته ستظل مثل سيزيف، يُعاقب على جرمه للأبد، في دورات متكررة مملة، وحتى لو قرر أن يمرح في أحداها، يعلم جيداً أين ستكون النهاية فيعود ليدور في نفس الدائرة عمداً، ولكن، السؤال الأهم كيف تُكتب مثل هذه الرواية في عدد صفحات قليلة وتُفسر لك حياته، بل وترى حياته كلها عن طريق بعض الجمل البسيطة، الإجابة تكمن في الكاتب "إسماعيل فهد إسماعيل" الذي استطاع أن يكتب عملاً مُكثفاً ولكنه لا يخل بالحكاية، فمثلاً بعض سطور قليلة تجعلك ترى حياة حميدة قبل الحادثة وقبل أن يُسجن، أفكاره، مهنته، علاقته بزوجته، إلخ، هناك من يفرد لتلك الأحداث صفحات، وهناك من يكتب جمل قليلة تكفي وتوفي، ولا أظن أني قرأت من يقوم بالنوع الثاني مثل إسماعيل فهد إسماعيل.
ختاماً.. العمل السادس الذي أقرأه لإسماعيل فهد إسماعيل، ومع كل عمل أقرأه يزداد تقديري له، وإعجابي بكلماته وتجربته الكتابية بشكل عام، فالرجل الذي كتب رواية بحجم "في حضرة العنقاء والخل الوفي" فيما يقرب 400 صفحة، يكتب رواية في ربع عدد صفحاتها، ولا تزال الدهشة والإمتاع حاضرين في كلا العملين.
"كلُّ من عاشَ في الدَّار يصيرُ من أهلها؛ حمامُ الدَّار لا يغيب، وأفعى الدَّار لا تخون".
أحب كتابات "سعود السنعوسي"، هذا العمل الرابع الذي أقرأه له، وكل "كلُّ من عاشَ في الدَّار يصيرُ من أهلها؛ حمامُ الدَّار لا يغيب، وأفعى الدَّار لا تخون".
أحب كتابات "سعود السنعوسي"، هذا العمل الرابع الذي أقرأه له، وكل عمل قبله أحببته بدرجات متفاوتة، لقائي الأول كان في "ساق البامبو" وكان جيداً حتى قراءة لمرة ثانية، "سجين المرايا" كانت متوسطة ولكنه قام بإضافة لمسة سوداوية مُحببة، و"فئران أمي حصة" هي عملي المفضل له في الأربعة بلا شك، ولكن "حمام الدار" فلم أحبها، شعرت بحيرة وربكة طوال القراءة، حتى النهاية التي من المفترض أن تكون مُدهشة وإلتواءة كبيرة لم تشفع للرواية، شعرت بأن هذا ليس سعود السنعوسي الذي أعرفه، وأتفهم بالطبع فكرة أن يُحاول الكاتب ويُجرب ويُخاطر، وبالطبع هناك من أعجبته الرواية، كشأن أي شيء في العالم، فكلنا لدينا تجاربنا مع الأعمال المختلفة، وتجربتي في "حمام الدار" كانت سيئة، شعرت بروح عمل كويتي أخر وهو "كانت السماء زرقاء" والزرقة الكئيبة المُغلفة لكل شيء، ما أثار حنقي بشكل أكبر أن هذه الرواية كان يُمكن أن تكتب بطرق مختلفة وستكون على الأقل عملاً جيداً، ولكن، نحن نقرأ الأعمال بناءاً على ما قُدم وليس على فرضيات مختلفة، ولذلك، كانت تجربة أقل من جيدة مع "سعود السنعوسي" لن توقفني عن متابعة قراءة أعماله، فرصيده لدي يسمح بالكثير والكثير من التجارب.
تملكتني الدهشة بعدما انهيت الرواية القصيرة أو القصة الطويلة "دار خولة"، ليس بسبب صدمة النهاية فقط، ولكن لأنني شعرت بأن الرواية على قصرها الشديد حملت ف تملكتني الدهشة بعدما انهيت الرواية القصيرة أو القصة الطويلة "دار خولة"، ليس بسبب صدمة النهاية فقط، ولكن لأنني شعرت بأن الرواية على قصرها الشديد حملت في طياتها مواضيع عدة، وظلت أسئلة مشروعة تمر بذهني: هل هذه الرواية عن الأمومة؟ عن الشيخوخة؟ عن التنصل من الهوية؟ عن الأمركة؟ عن إقصاء النساء من المجتمع؟ فوجدت إنها عن كل ذلك، وذلك ما أدهشني أنني وجدت ما أفكر فيه وأثارته في الرواية؛ أكبر بكثير عن عدد صفحاتها، بل وحتى وجدت إنك لو جردتها من كل رمزياتها ومواضيعها، لظلت حكاية درامية اجتماعية؛ تفجرت في أخر الرواية، ليظهر لنا الدم الحار والعنف الجسدي بسبب تراكمات الماضي بل وربما الغيرة أيضاً بداخل عائلة واحدة! كل هذا، ويمكنك أن تجد مواضيع أخرى بداخل الرواية، وعلى حسب نظرتك يُمكنك أن تُضيف أو تحذف.
لمستني شخصية "خولة" وأعجبني رسم شخصيتها، فهي العاقلة المثقفة صاحبة الآراء الهجومية على المجتمع وزيفه، قالت "خولة" كلمات حقيقية واقعية، ولكنها قوبلت بالسخرية من المجتمع، تم تحويلها إلى ميم متداول، رغم جدية طرحها، وإن كان يتسم بالجذرية والعنف في طياته، هي تريد حلول سحرية، لتجعل المجتمع يوتوبيا مرة أخرى، ولكنها في نفس الوقت، لديها عيوبها، في نطاق أسرتها، فهي تفضل ابناً على أخر، مما خلق الغيرة بين أولادها، لتتفجر في أحد المشاهد المجنونة بقرب النهاية، فمن قال أن المثقف أو المفكر أو الكاتب يُطبق أفكاره عن العدالة والمساواة بداخل نطاق أسرته أيضاً؟ فلا يهمها نجاح أحد أولادها طالما أن من تفضله أو فلنقل من رفضها كأم، لا يُفضلها وحياته -طبقاً لأحكام المجتمع وأحكامها- تتجه إلى الهاوية، وبين تناحر الولدين -هل يصح قول ولدين على بالغين؟- يأتي الأخ الثالث قبل إسدال ستار النهاية -مثل أي شرطة تحترم نفسها- مفصولاً عن الواقع، متجنباً لعائلته، مُفضلاً الألعاب الرقمية ورفقته عن تجمع عائلي، ولو نظرت في أي عائلة داخل مجتمعاتنا اليوم ستجد مثله تماماً، فهو وإن كان يرى نفسه متنيماً لعائلته، فهو ينتمي في حدود ضيقة، لا ينكرها أو يستعر منها مثلاً، ولكنه يرى واجبه تجاه عائلته لا يتخطي نطاق ضيق من التفاعل، ويُحاول أن يعوض ذلك بلفتات مُستحدثة كصورة سيلفي أو هدية تعوض غيابه المُتكرر.
ختاماً.. "دار خولة" هي حكاية -دعنا نسميها حكاية دون التشتت في مسمى اللون الأدبي- تعتمد على التكثيف في بناءها السردي، فتلك الحكاية القصيرة تطرح أسئلة مُربكة، عن هويتنا وعن مجتمعنا والانسلاخ الذي يتجه إليه، وعن الهروب إلى أحضان ماما أمريكا عوضاً عن مجتمعنا وقيمه، فقيم أمريكا -وإن وجدت- سهلة وروشة وجذابة للجيل القادم، تجعلنا أكثر لمعاناً ووجاهة اجتماعية، ولكن بكل تأكيد، ستجعلنا أكثر زيفاً فننفصل عن مكاننا الحالي، فلا نعرف حتى أسماء الدول المجاورة لنا.
"الإنسان ميدان كبير لصراع الخير والشر. لا ينتصر أحدهما على الآخر دائماً، وفي أحوال كثيرة قد نتوهم انتصار الخير، مشاعرنا وحدها تُحدد ذلك."
تطرح رواية "ا "الإنسان ميدان كبير لصراع الخير والشر. لا ينتصر أحدهما على الآخر دائماً، وفي أحوال كثيرة قد نتوهم انتصار الخير، مشاعرنا وحدها تُحدد ذلك."
تطرح رواية "الاستدارة الأخيرة" شكلاً معكوساً للصراع الأزلي بين الذكر والأنثى؛ وأقول صراعاً لأن النوعين يحاولان باستماتة إلغاء الآخر، مما أدى إلى ظهور اضطرابات في الميول والأفكار قد يصل مداها إلى التطرف، فيطرح الكاتب فرضية بديلة، ماذا لو ثارت النساء على الرجال؟ ماذا لو أصبح العالم نسوياً؟ هل سيكون عالماً وردياً؟ وهل سيكون هذا العالم صالحاً للرجال؟ وعندما تقبض النساء على موازين القوة في العالم، هل سيتم استغلالها في صالحهم فقط؟ ولماذا ننسى دائماً أن العالم نساء ورجال؟ وتساؤلات عديدة نُحاول مع الكاتب القبض على إجاباتها من خلال رواية لو حاولت إيجاد جنس أدبي لها لانتابتك الحيرة، فهل هي رواية تاريخ بديل؟ هل هي رواية فانتازيا وخيال؟ هل هي رواية فلسفية تطرح أفكاراً لتُثير ذهن القارئ؟ أم إنها جميع ما سبق؟ أعلم أنني قد أزعجتك بدائرة من التساؤلات غير المُجابة، ولكن، بمجرد أن تبدأ صفحات الرواية، تعثر على إجاباتك، ولكنني لا أعدك أن تجدها كلها.
مع تقدم الأحداث في الرواية، شعرت بأنني أقرأ أحد الملاحم الأسطورية، عوامل جذب متعددة، خيال ممتع، فلدى بطل الرواية نهم وشغف لمعرفة التاريخ، في الوقت الذي تُسيطر فيه النساء على الحكم، كيف يعيش رجلاً يبحث عن الإجابات؟ كيف يتنقل وكيف يُعامل؟ لا لن أدخل في دائرة الأسئلة التي تؤرقني مرة أخرى، فقد وجد البطل الطريق إلى معرفة التاريخ، أو هكذا يدعي صاحبه، فنتابع رحلة النشأة من البداية، حروب ومعارك، تقلبات وخيانات، شخصيات تُقتل وتقتل، طقوس مُهيبة وعشائر تتحد، إسقاطات ورمزيات عديدة طوال الأحداث، وتجد نفسك أنك في دائرة ولكنك لا تزال تدور وتدور وتدور، ربما بحثاً عن الإجابات أو حباً في الحكاية، لا فارق، هذه الرحلة المدوخة ستكملها حتى النهاية، حتى الاستدارة الأخيرة.
ختاماً.. بمجرد أن نتجاوز حيرة البداية والتعرف على الشخصيات وأركان الحكاية وأزمانها المختلفة، ندور مع هذه الرواية وندوخ في دوائرها الممتعة، ولا نفوق إلا مع الاستدارة الأخيرة، عمل مدهش بعالمه المخلوق من التضاد، بسرد غير اعتيادي يلف ويدور كما تدور الرواية. ...more
قصة "أمنية جديدة" تحمل وجهة نظر مختلفة عن الطلاق وأثره في حياة الأبناء، فهذه المرة ينفصل الآباء بهدوء، دون صراخ، ودون عراك في كل كلمة، انفصال جيد في ه قصة "أمنية جديدة" تحمل وجهة نظر مختلفة عن الطلاق وأثره في حياة الأبناء، فهذه المرة ينفصل الآباء بهدوء، دون صراخ، ودون عراك في كل كلمة، انفصال جيد في هذه الحالة ليساعد هذه الأسرة على التقدم إلى الأمام، يظل الطلاق أمر مؤسف ومؤلم، ورأينا كيف تعاملت معه ابنتهم "حنان" في البداية، ولا أعني بذلك أيضاً أنها تقبلته، ولكنها على الأقل بدأت تفهم أبعاد حياتها الجديدة، وأمنيتها الجديدة. بالطبع عمل جيد للناشئة، يساعد على فهم أمر معقد كالطلاق ولكن، ببساطة وسلاسة. ...more
"هو يركض، حياته كلها سلسلة من الركض المتواصل. هو هارب. هارب من كل شيء حتى من نفسه."
من معاني اللون الأزرق ودلالاته المُتعددة: الهدوء والاسترخاء والبرود"هو يركض، حياته كلها سلسلة من الركض المتواصل. هو هارب. هارب من كل شيء حتى من نفسه."
من معاني اللون الأزرق ودلالاته المُتعددة: الهدوء والاسترخاء والبرود، وذلك النقيض تماماً لما يشعر به بطل الرواية؛ الذي فر هارباً من كل مشاكله وأوجاعه طمعاً في جنة موعودة، يرتاح فيها باله وتُشفى جراحه الملتهبة، وكأن المشكلة في الأرض لا في الإنسان.
من الصفحات الأولى في هذه الرواية ستشعر بأنك تقرأ رواية مختلفة مُميزة وليس فقط لأن موضوعها شديد العمق ويتشابك الإنسان المعاصر معه في أشياء عديدة، ولكن طريقة كتابة الرواية نفسها مختلفة، فالرواية مكتوبة بطريقة سينمائية، حتى أنك تكاد تشعر بالمونتاج الذي يلحم المشاهد ببعضها، الماضي بالحاضر، لحظة استدعاء البطل لأحداث حياته التي أدت إلى مأساته الحالية وبالتالي مصيره الذي يعيشه، الأسباب والنتائج، بتتابع متلاحق وسريع، وحوارات لا تقل فلسفة عن الأحداث.
رواية "كانت السماء زرقاء" بمثابة صرخة تجاه الالتزامات التي وُضعت على الإنسان المعاصر، القيود المختلفة التي تُكبلنا، لا بُد أن تتبنى الآراء السياسية التي تفرضها عليك الدولة بلا اعتراض، لا بُد أن تعمل حتى لو رغبت بعكس ذلك، لا بُد أن تتزوج حتى لو لم ترغب بذلك، وقدرة المجتمع الهائلة على توجيهنا تجاه أنماط متشابهة وآراء متكررة، قيود تلو قيود حتى تُصبح الحرية مزحة لا تُضحك بالضرورة.
كما يُشير الاقتباس بالأعلى بطل الرواية هارب من كل شيء، السياسة والدين والمجتمع، كفر بهم جميعاً، ولا يؤمن بجدوى الحياة، يراها عبثاً، ويرى العلاقات الاجتماعية على أشكالها المختلفة عبئاً زائداً وتعقيداً أكثر مما تحمله حياته، فترك عائلته وزوجته وابنته وحبيبته من أجل اللاشيء، هرب إلى المجهول، يُحاول التمرد على كل شيء، حتى نفسه.
الرواية على قصرها تعج بالأحداث، عمل الكاتب على اختزال السرد إلى الحد الأدنى، مع الإكثار من الحوارات التي تبوح بكل شيء، عن بطل الرواية الأساسي وعن معاناته وعن رؤيته للعالم من حوله، وتلك الأزمة الوجودية التي ألقت به إلى الهرب، لتتعدد إجابة سؤال واحد، ما الذي أشعل فتيل الهرب لدى البطل؟ السياسة أم العلاقات الاجتماعية؟ وما الذي يجعل إنسان يهرب إلى المجهول خوفاً من مجهول آخر؟ هذا هو السؤال الذي وضعه لنا إسماعيل فهد إسماعيل لنجاوبه....more
كتاب "البقعة الداكنة" هو أول كتاب نشره الكاتب "إسماعيل فهد إسماعيل" وهو عبارة عن مجموعة قصصية من ست قصص. العمل لا تشعر على الإطلاق بأنه عمل أول للكاتب كتاب "البقعة الداكنة" هو أول كتاب نشره الكاتب "إسماعيل فهد إسماعيل" وهو عبارة عن مجموعة قصصية من ست قصص. العمل لا تشعر على الإطلاق بأنه عمل أول للكاتب، القصص مُتفاوتة في الجودة والطول كعادة أي مجموعة قصصية بالطبع، ولكن مواضيع القصة والسرد تشعر برزانة وثقل في الكتابة، سيجعلك تتفاعل مع كل قصة وأحداثها، وتتفهم ما يجري دون شرح كثير وبلغة جزلة كافية ووافية، وذلك ما ميز هذا العمل، القصر غير المُخل، والتعمق في الشخصيات والحالات التي تعرضها كل قصة.
القصص تتراوح مواضيعها بين الفقر ورغبات النفس البشرية والتأرجح بين الخير والشر والحلال والحرام، ونظرة المعدمين للحياة من منظور ضيق أحياناً ومن واسع أحياناً، لم تخلو القصص من الرمزيات وبالأخص في قصة "أنا إنسان"؛ التي بجانب قصة "البقعة الداكنة" هم المُفضلين لدي في المجموعة القصصية.
العمل الرابع الذي أقرأه لـ"إسماعيل فهد إسماعيل" ومن الواضح أنه في انتظاري رحلة طويلة وسعيدة معه. ...more
"كنا نستنشق كراهيتنا كما الهواء، لا مفر منها. صار كل شئ بين الـ هم والـ نحن."
القراءة الثالثة لسعود السنعوسي، بعد "سجين المرايا" الجيدة، و"ساق البامبو" "كنا نستنشق كراهيتنا كما الهواء، لا مفر منها. صار كل شئ بين الـ هم والـ نحن."
القراءة الثالثة لسعود السنعوسي، بعد "سجين المرايا" الجيدة، و"ساق البامبو" التي أحتاج لإعادة قراءتها لأعرف هل كان انبهاري بها وقتها بنفس قدر "فئران أمي حصة"، أم أحدهما تفوق على الآخر؟ ولكن، حين يأتي وقتها، هذا أفضل عمل قرأته لسعود حتى الآن. فالرواية على كبر حجمها، لم أشعر بالملل إطلاقاً، كل التفاصيل الجانبية كانت جذابة ومهمة، شطر الحكاية الواحدة لتصبح حكاية في الماضي وحكاية في الحاضر، ليُظهر المفارقة الحزينة بين ماض يبدو سعيداً لولا الحروب؟ وتزايد مؤشر الكراهية؟ وبين حاضر ملوث بالسواد، السماء طاحت يا أمي حصة، وما عدنا نرى غير الدماء والقتل. في البداية، شعرتُ أن هذه الرواية تدور حول معاناة الفرد الكويتي، من كراهية تزيد، وطائفية تنتشر، ولكن بعد تفكير لمدة لا بأس بها، وجدت أن الرواية يُمكن إسقاطها على أي بلد عربي، أو هذا ما أحاول أن أدعيه، فمفهوم الفتنة الطائفية، منتشر في كل بقاع الوطن العربي، يتصارع كل حملة الأديان والطوائف على برهنة أي دين أو طائفة هي التي تستحق الجنة، والباقي في النار وبئس المصير، متى ترعرع في وادينا الطيب كل هذه الكراهية؟ لماذا أصبحنا نكره الأخر؟ هذا ما يُحاول السنعوسي فهمه وطرحه.
"لسنا في وقت يسمح لنا بترف الحنين إلى زمن طفولة في ماض كان، ولكنه حنين إلى زمن، رغم الخيبات فيه، عشناه بأفضل ما يكون."
يسرد "السنعوسي" تاريخ الكويت، منذ منتصف الثمانينات وحادث تفجير المقاهي الشعبية، ثم يمضي بالتاريخ قدماً إلى الغزو العراقي للكويت، يُحاول أن يُفكر معنا بصوت عال، وُيشركنا في أفكاره، وتأملاته، عن الكراهية، عن الأسئلة التي تخنق طفلاً ويسعى للحصول على إجابات ربما تريح حيرته، من خلال حكاية واحدة مشطورة بين ماض سعيد، نتحسر على هدوءه، وأنه كان على رغم مساوءه، كان أفضل من واقعنا الحالي، وأفضل حالة مُمكنة. ومن خلال لفيف من الشخصيات تُمثل الطائفة هذه والطائفة هذه، وكأنه لا بد أن نُعرف بناءاً على ديننا أو طائفتنا أو جنسيتنا، هكذا أصبح الإنسان، يُعرف بما وجد نفسه عليه، بما لم يختاره، وعليه أن يعيش يحمله على عاتقه لبقية حياته، وتتشابك الأحداث والشخصيات، ووجدت نفسي أتمشى في الأماكن التي يصفها سعود، وأراها بعيني من خلال سطوره، يرثي المكان، ويرثي ماضيه، ويرثي الحياة التي أصبحنا نعيشها.
"بعضُ الأورامِ لا يكفُّ نموًّا إلا بموت الجسد."
الرواية في حاضرها بمثابة ديستوبيا حيث يرى سعود المستقبل وقت كتابة الرواية -2015- بأن عام 2020 سيحمل ظلاماً أكثر، وكان بالطبع العام 2020 مظلماً ولكن حمداً لله لم يكن لنفس الأسباب المُتخيلة بالرواية، والهدف من كتابة هذا النوع هو الصراخ في وجه الكراهية، التحذير من مستقبل ملعون يهددنا ويهدد من يخلفنا، يُعطينا لمحة عما يمكن أن يُصبح عليه العالم، لو استمرينا في الكره المجنون للآخر، ونسينا أن الآخر هذا، إنسان مثلنا تماماً وقد يكون قريباً أو صديقاً أو حبيباً، أو حتى غريباً، يبتسم لك، فتشعر بطمأنينة. اهتم الكاتب بالعديد من التفاصيل في الرواية، دقة تصل إلى الكمال، لمشاعر وأحداث، حتى أن صفحة "أولاد فؤادة" لو بحثت عنها بنفس اسم المستخدم لوجدته على تويتر سابقاً إكس حالياً، وستخرج من الرواية تشعر برغبة أن تشاهد مسلسل "على الدنيا السلام"، وأن تقرأ لـ"إحسان عبدالقدوس" لأسباب حميمية ربطتك مع الرواية. لاحظت في أسلوب السرد، تأثر الكاتب الواضح بإسماعيل فهد إسماعيل رحمه الله، في روايته في حضرة العنقاء والخل الوفي، وكتابة الجمل المنقوصة، التي يكملها القارئ في عقله، فيتشارك الكاتب والقارئ في كتابة رواية، وكأنه يُماهي بين بطل الرواية والقارئ كأنهم شخص واحد، ولم لا؟
"ذاكرته سيئة من يتذكر كلَّ شيء، وأنا ملعونٌ بذاكرتي."
ختاماً.. واحدة من أجمل القراءات في الرواية العربية، رواية دسمة وكبيرة، وتحتاج إلى قراءة بهدوء وتمهل، فعيش هذه الأحداث، مؤلم، ويحتاج أن تلتقط أنفاسك بعد كل حدث حزين، وصدقني، هذه رواية حزينة، لا تدعي الأمل ولا تُزيف الواقع، وهذا ما أحببته أكثر ولمسني، أن الرواية لا تتخيل واقعاً كابوسياً، من أجل كتابة ديستوبيا، ولكنها نقلت بحرص وبأمانة، مستقبلاً قد يشق حاضرنا، إلى شطرين، ما قبله، وما بعده، كما الرواية.
"إنسان بلا رغبة هو إنسان حُر، إنسان ميت، إنسان مُحصن ضد الخيبة والخيانة والألم."
رواية "كبرت ونسيت أن أنسى" هي رحلتي السابعة في خطتي لقراءة أعمال بثينة "إنسان بلا رغبة هو إنسان حُر، إنسان ميت، إنسان مُحصن ضد الخيبة والخيانة والألم."
رواية "كبرت ونسيت أن أنسى" هي رحلتي السابعة في خطتي لقراءة أعمال بثينة العيسى –زمنياً- وهذا العمل بكل تأكيد أفضل عمل قرأته لها حتى الآن. ولكن، هل ذلك يعني أنه عمل خال من العيوب؟ حسناً لنرى.
تتحدث الرواية بشكل أساسي عن قهر النساء تحت العديد من المسميات الكبيرة مثل: الدين والمجتمع والعيب والحرام، إلخ، فبعدما تعرضت "فاطمة" لحادث مأساوي فقدت فيه والديها، أصبحت في عهدة أخيها "صقر" الذي أصبح مسئولاً عنها بالتبعية، فتحولت حياتها الطفولية إلى العديد من الأحداث الحزينة المتتالية، دون توقف، حياة من سوداويتها، تمنت "فاطمة" أن تفقد حياتها في ذلك الحادث، فأي حياة هذه التي تعيشها؟ مُكبلة، مُقيدة، مُحرم عليها كل شيء، حتى الشعر!
وجدت نفسي غاضباً في أغلب أجزاء الرواية، شعرتُ بأنني اختنق وأغرق، تخيلت سجن "فاطمة" الاجباري، دون أي ونيس أو رفقة، تخيلت النظرات الشامتة والمتشفية، تخيلت أكثر ما حكته "فاطمة" وشعرت أننا نعيش في عالم غير سوي، وحتى في تلك الفصول التي كانت تتأرجح بين الوردية والخفة واللطافة، كنت أرى المأساة قادمة من أميال، وكأني أعرف أن كل تلك اللحظات اللطيفة ستتحول إلى جحيماً، ووطأة على الصدر لا تتزحزح.
وإلى هنا، كنت أرى أن هذه الرواية تكاد تخلو من العيوب، حتى النهاية، التي شعرت أنها حالمة أكثر من اللازم، غير منطقية على الاطلاق، وتفصيلة صغيرة بسيطة جداً كانت ستغير تلك النهاية إلى شكل أفضل، ولكنها حولت الرواية إلى نوع من أنواع الروايات الرومانسية، وهو بكل تأكيد ظالم للرواية، وللغة بثينة، التي تجعلك تدخل أي عمل لها، متوقعاً لأن تتفاجئ بجمالها، فما بالك، لو كتبت بثينة شعراً؟
ختاماً.. كبرت ونسيت أن أنسى هو عمل سوداوي حتى قبل النهاية، وأصبح بالتأكيد عملي المُفضل للكاتبة "بثينة العيسى"، ورغم النهاية التي لم تنل رضاي، لكن لا يزال العمل هام ويستحق القراءة، وواضح تطور المواضيع والأفكار وحتى السرد لدى "بثينة"، ويظهر لي هذا؛ في التقدم في خطة قراءة أعمالها، ولذلك أنا مُمتن. بكل تأكيد يُنصح بها.
تبدأ الرواية بتعرفنا على مالك الذي يبحث عن زوجته وابنته اللتان اختفيتا فجأة من حياته، فتأتي له مكالمة هاتفية كخيط أولي للبحث عنهم، فيبدأ في رحلة من ال تبدأ الرواية بتعرفنا على مالك الذي يبحث عن زوجته وابنته اللتان اختفيتا فجأة من حياته، فتأتي له مكالمة هاتفية كخيط أولي للبحث عنهم، فيبدأ في رحلة من الغموض والغرابة التي تزداد كلما تقدمنا في الأحداث، حتى النهاية والإلتواءة التي كانت متوقعة بشكلاً ما.
الرواية كانت مُتماسكة نوعاً ما في منتصفها الأول، ولكن في المنتصف الثاني وبالأخص عند دخول الشخصيات مثل "كلوديا" و"وليد" و"الطبيب خالد"، أصبحت الرواية تُريد أن تقول كل شيء فانتهت وهي لا تقول أي شيء، أصبح هناك أحداث خارجة عن الواقع بشكل كبير، حتى الشخصيات تتصرف على عكس طبيعتها التي ظهرت بها، وكأنهم مروا بلحظة تنوير فجأة فأصبحوا كلهم يدعون الحكمة، وسطع ضوء الحقيقة في عقلهم ففهموا! فجأة بدون تمهيد، أظن أن الكاتب احتار في النهاية وكيفية إغلاق كل فجوات الغموض، فانتهي بأكثر حل معروف في تلك الحالة، وادعاء أن كل ما حدث لم يحدث، فانتهت الرواية بشكل مُتسرع، بنهاية كانت متوقعة من بداية الأحداث، فنُسف كل ما كان جيداً ومتماسكاً بالجزء الأول.
يقول أحد الشعراء أن المستحيلات ثلاثة؛ الغول والعنقاء والخل الوفي. ويخبرنا إسماعيل فهد إسماعيل بأن أثنين منهم سيحضروا بروايته، فنخطو تجاه روايته متوقعين يقول أحد الشعراء أن المستحيلات ثلاثة؛ الغول والعنقاء والخل الوفي. ويخبرنا إسماعيل فهد إسماعيل بأن أثنين منهم سيحضروا بروايته، فنخطو تجاه روايته متوقعين أن تكون مليئة بالأحداث الخيالية، احتمالية وجود رحلة رمزية، أو حكاية أسطورية، لنكتشف أننا مع الواقع الذي يكاد أن يكون في ذاته خيالاً، فكيف يكون كل ما مر به "منسي ابن ابيه" أمراً عادياً وواقعياً؟ كيف ينجو المرء من الحياة؟
وجد "منسي" من اسمه نصيباً في الحياة، ولد لأم كويتية الجنسية، ولكنه بدون، لم يمقت حياته بل ظل فيها سائراً بلا توقف، أينما تضعه الحياة يسير، لا كلمة له على حياته، لا توجد رفاهية الاختيار بها، خط سير واحد لا يملك إلا أن يسيره، حتى التوقف ليس متاحاً، فقط السير وإتخاذ اللازم من الاحتياط لتقليل الأضرار، للنجاة، من حياة صعبة ومريرة، حياة كل ما فيها صعب حتى البديهي منها، العمل والسكن والزواج والدراسة، أي حركة يخطوها تحتاج العديد من التصاريح اللازمة والعديد من الصعوبات التي يجب أن يُذللها. يحكي منسي حكايته في منتصف خمسينيات عمره، يحكي لابنته "زينب" التي لم يراها ولا مرة! يحكي حكاية تُشبه الأساطير، ويا زينب كم كان والدك صلباً، كم كان والدك مُتحملاً لكل القسوة التي واجهها، حكى لها عن لقاءه الأول بأمها "عهود" التي سحرته، وسحبته، أرادته فاستجاب، خنع لها، تملكته قلباً وجسداً، لم يكن يعلم أن غايتها تُبرر وسيلتها، ولكن عهود يا زينب، كويتية الجنسية، وأنا بدون، واجه مصاعب عديدة، تتمثل في الخال، سعود، كان يحتقرني، كان لا يراني، كأنه يملك شيء، وأنا بدون. ولكن يا زينب، لكم كنت أتمنى أن خالك فقط هو الشخص الوحيد الذي علي أن أقلق بشأنه، لم أكن أعلم أن الحياة تُخبأ لي أكثر مما تُبدي، على الأقل خالك كان يُظهر لي دائماً ما يشعر به تجاهي.
أحياناً يُعجبك في رواية أسلوبها، شخصياتها، أحداثها، سرد الكاتب، من النادر أن تجدهم كلهم مجتمعين في رواية واحدة، من الأساطير كالغول والعنقاء والخل الوفي، وإكمالاً لحضور الأساطير، نجد رواية بهذا الإتقان، من أول صفحة تعرف أنك على موعد مع رواية لا مثيل لها، سرد مختلف لم أقرأ مثله من قبل، قطعة واحدة من السلاسة والدهشة، تدخل الحوارات بداخل السرد، يتنقل من سارد إلى آخر ومن شخص إلى آخر بنفس السطر ونفس الجملة، دون الشعور بأي ملل أو ارتباك، تتملكك الدهشة وأنت تقراً، ولا تعرف أهي دهشة الأحداث، أم دهشة السرد المتلاعب والذكي والذي استغل كل الفرص لكي يُبهرك فتكون الرواية غنية بسردها أيضاً، وليس فقط تقلبات الأحداث وسودوايتها، وتضافر الحكاية، فصول سرد الغزو العراقي للكويت كانت مُبهرة ودقيقة، تفاصيل شديدة الخصوصية، تناسب موضوع الرواية ولا تعرف أهي الحقيقة أم الخيال؟ وكلما تظن أن السرد والأحداث وصلت القمة، تجد ما يليها يبلغ قمة أعلى من التي سبقتها، إسماعيل فهد إسماعيل، هذا كاتب لو اكتفى بهذه الرواية لكفى ووفى.
هذه الرواية هي خير ممثل للتاريخ الفني والأدبي للكويت، ولا يأتي ذلك فقط من قيمة وأهمية الرواية، ولكن أيضاً من الشخصيات الحقيقية التي ادرجها الكاتب كشخصيات مُتخيلة وتضافرت بداخل النص، فأصدقاء منسي جميعهم معروفين، مخرجين وكتاب وقضاة، كأنه يجمع تاريخ الكويت، في محاولة للتضافر، كأنها تذكرة لما مروا به وعانوه، وكأنها تحية إجلال وتقدير لشخصيات أثرت في الوعي الثقافي والأدبي الكويتي، فكانوا بمثابة الخل الوفي في الحكاية، ولمنسي، كانوا خير السند والتعريف الحقيقي للوفاء والتقدير. الرواية تحتوي جنسيات عربية عديدة، كويتية وعراقية وفلسطينية، تذكير بالمعاناة العربية على مستويات عديدة، لم تحاول شيطنة جانب على آخر، بل كانت تقف أحياناً بجانب من شيطنهم الجميع، ففلسفة الرواية أن للكل حكاية، فلو سمعتها، لربما تغير رأيك وربما لا.
ختاماً.. بكل تأكيد رواية "في حضرة العنقاء والخل الوفي" هي واحدة من أفضل الروايات العربية التي قرأتها في حياتي، رغم أنها رواية ضخمة ودسمة، ولكنك بمجرد ما تدخل عالمها السحري، ستنجذب لها ولا يسعك فقط إلا أن تتذوق جمال سردها، وتلعن واقعيتها الحزينة، ويكون منسي ابن ابيه/ حنظلة الكويتي، بمثابة رمز للمعاناة والقهر، رمز للصمود والبأس، وأن نكون نحن من نجعل منسي، غير منسياً.
"أحس بالألم في كل ما أراه، ما أشمه، وما أسمعه. الصمت المُستشري.. مؤلم، الأثاث البليد الذي يرمقني بحياد.. مؤلم، شاشة التليفزيون مؤلمة، النافذة مؤلمة، ا "أحس بالألم في كل ما أراه، ما أشمه، وما أسمعه. الصمت المُستشري.. مؤلم، الأثاث البليد الذي يرمقني بحياد.. مؤلم، شاشة التليفزيون مؤلمة، النافذة مؤلمة، الستائر مؤلمة، الشرشف المُرتب مؤلم، المزهرية الفارغة مؤلمة، هاتفي الذي لا يرن مؤلم، أسفل رقبتي يؤلمني، الفراغ الشاسع في صدري يؤلمني، الثقوب في روحي، الشرخ في جدار غرفة الغسيل، المطبخ الذي تفوح منه رائحة الدهن، مربعات السيراميك، صنبور المياه الذي يبكي بين كفي، كل شيء.. كل شيء."
رواية "عائشة تنزل إلى العالم السفلي" هي رواية سودواية مُنهكة عن أم فقدت ابنها ذو الخمسة سنوات، ففقدت معه حياتها، ورغبتها في أن تملء رئتيها بهواء هذا العالم القاسي، رأت الموت ينتظرها في ثيابه السوداء القاسية، وكل سنة في ذكرى وفاة ابنها، تموت مرة، ولكنها متيقنة أنه بعد مرور خمسة سنوات، ستكون هذه الميتة الأخيرة، فكيف تتحمل فقدان ولدها؟ من قال أن الزمن سيجعلك تنسى هو كاذب، فالزمن جعل عائشة تتذكر أكثر وأكثر، تستدعي تفاصيل حياتها، وحزنها واكتئابها، تفكيرها أصبح ينصب نحو نهر واحد؛ ألا وهو الموت.
وليقينها التام من اقتراب أجلها والموت، بدأت "عائشة" تكتب يومياتها، لحظة لحظة بتفاصيل دقيقة، تستدعي الماضي والحاضر، وتستدعي شخصيات من الكتب التي تقرأها، ومقولات للعديد من الكتاب، لتكون الرواية في أغلب أجزاءها عن ذلك الكائن المنتظر بنهاية الأفق الأعلى، الذي حتماً سنقابلها مهما طالت حياتنا ونسيناه وتناسيناه، وتلك الدائرة الحزينة التي غرقت بها عائشة تواجه محاولات بائسة من أهلها وزوجها لنشلها من دوامة الغرق، فنظل حتى النهاية -وربما بعدها- غير عالمين بمصيرها وإلى أين يتجه.
ختاماً.. كانت هذه التجربة السادسة لي مع الكاتبة "بثينة العيسى" ورغم أنني أحببت العمل، ولكن لا يزال "تحت أقدام الأمهات" هو عملي المفضل لها في منهجي لقراءة أعمالها حسب الترتيب الزمني.
يأخذنا "عبدالله البصيص" هذه المرة في رحلة مُغايرة لما عهدناه بتجاربنا السابقة معه، تجربة مُختلفة، مجنونة، ساخرة، سودواية ل الإنسان مخلوق وحيد.. للغاية.
يأخذنا "عبدالله البصيص" هذه المرة في رحلة مُغايرة لما عهدناه بتجاربنا السابقة معه، تجربة مُختلفة، مجنونة، ساخرة، سودواية للغاية، عن حقيقة العالم وطبيعة البشر؛ البائسة، والحزينة، من خلال شخصيات مُميزة، ومُثيرة للاهتمام، ورغم أن بطل الحكاية هو "وحيد هادي"، وصديقه "حسن صواب" الذي لديه قدر لا بأس به بداخل الأحداث، ولكن باقي الشخصيات المذكورة تستطيع أن ترى مأساة كل شخص حتى لو كان بشكل عابر.
تطرح الرواية بشكل هزلي طبيعة الإنسان في العصر الحديث، التي تُقولبه في مُعلبات جاهزة، مُتشابهة، بداخل العمل، والحياة، والحياة الزوجية، وكل تلك المُعلبات التي تضعنا على رف واحد، ولكنها تسرد من رؤية مُغايرة، عكسية، من وجهة نظر الذين يرون أنهم فوق البشر، بشكل خيالي، مُرتكزاً على الأوهام والخيالات الكاذبة. فـ"وحيد هادي" جرت له حادثة سيارة، ونجا منها بأعجوبة فظن أنها معجزة، والمُعجزات لا تحدث عبثاً، فهي حدثت له لأنه مقدر أن يكون شيئاً عظيماً، هناك مهمة ما خلف هذه المعجزة، ولكنه لم يعرف كُنهها بعد، فيتأمل، ويُفكر وبمساعدة مقاطع "د. مصلح رشيد" التي تساعد على الإدراك والفهم وتفتيح العقل، يكتشف أنه مُقدر له أن يُصبح من العظماء، ولكن طريق العظماء دائماً محفوف بالمصاعب، تصدق؟
الرواية تأخذ الشكل الساخر الهزلي من أول صفحاتها حتى آخر سطورها، بل وهناك عبثية منطقية أيضاً، وهناك العديد من الأجزاء المُخصصة للسخرية من كتب التنمية الذاتية الفارغة، مقاطع اليوتيوب المُحفزة الخادعة، طُرق التخسيس المُختلفة غير المُفيدة على الإطلاق، وما شابه. طريقة تفكير "وحيد هادي" المُثيرة للاهتمام، شخصية فريدة، ولكن على الرغم من ذلك، لو دققت النظر حولك لوجدت أشباهه في كل مكان، أنه يُمنطق كل شيء حتى الخطأ، أنه يلغي عقله من أجل أن يُريح نفسه ونتائجه الفريدة والألمعية التي لا مثيل لها. ويوجه كُل مثابرته وقوته نحو سراب ووهم، يصرخ عقله فيه بأنهم كذلك، وهو يُخرس عقله بأنه ليس كذلك، وأن العقل يُفكر بهذه الطريقة لأنه نشأ بهذه الطريقة، ويجب أن يُزيل الغشاوة التي على عقله ويُفكر بطريقة أكثر ذكاءاً من البشر. الإنسان مخلوق عجيب.. تصدق؟
وعلى الرغم من أن الرواية ساخرة وعابثة، فهي سودواية ظلامية، لو دققت في كل شخصية، ستجد أنه يتصرف بذلك المنطق المُختل بسبب الوحدة، التي تعددت أسبابها ولكن النتيجة واحدة؛ جنون مُطلق، والجري وراء سراب ووهم، فقد ترى أن شخصية "وحيد" اسماً وحالاً، بهذا الشكل نتيجة لشكل حياته التي تتلخص في عمل روتيني يجعل العقل يتبلد، وحياة غير صحية من مأكل ووزن زائد، وألعاب الفيديو التي تُساعد على بلاهة وتسطيح الإنسان، وترى مثلاً أن شخصية "حسن صواب" قد تعرض لصدمة نفسية، لها علاقة بأنثى هجرته لو كان حديثه عن الشجر رمزياً، أو أنه يتمنى أن يجد علاقة حب حقيقية ليكون لحياته معنى، ألا يندرج كل ذلك تحت تصنيف التعليب مثلاً؟ الحياة كإنسان وحيد لا تُطاق.. تصدق؟
ختاماً.. كانت هذه التجربة الرابعة لي مع "عبدالله البصيص" الذي أصبح بلا شك من كُتابي المُفضلين الذين أنتظر أعمالهم بفارغ الصبر، والذي لا يتسرع في أعماله ويكتب أي فكرة والسلام، يُعطي كل عمل حقه بتأني، وذلك واضح من طريقة السرد؛ السرد في الرواية بطل مجهول، السخرية طوال الأحداث، والعبثية عندما تصطدم بالمنطقية، والنهاية المجنونة قليلاً التي تُكلل كل هذا العبث، بشخصيات فريدة وأحداث مُدهشة، ورمزيات عديدة في كل مكان وحدث، قد تراها واضحة وقد تكون مُستترة، ولكنك بكل تأكيد بعد قراءة هذا العمل، ستكون مُستمتعاً بهذه التجربة.
مجموعة قصصية عن ما بعد الحكاية، أو سرد بديل لحكايات لو سارت الأمور فيها على ما يُرام، حكايات أغلبنا تربى عليها، فم “نحن ضحايا أنفسنا، الآخرون مجرد حجة”
مجموعة قصصية عن ما بعد الحكاية، أو سرد بديل لحكايات لو سارت الأمور فيها على ما يُرام، حكايات أغلبنا تربى عليها، فماذا لو أضفنا إليها الواقع؟ جعلناها بنضج الحياة، تُصبح الحكايات مؤلمة، لأنها عادية، لأنك تراها حولك في كل مكان، وذلك جمال الحكايات، التي تربينا عليها أنها خيالية، فنعيش سنوات معدودة من الخيال، نصطدم بعدها بواقع كالوحش الكاسر، وذلك ما قامت به "بثينة العيسى" هنا بإعادة سرد بعض الحكايات من منظور آخر، أكثر واقعية، وأكثر ألماً من أن تؤكل حياً.
شملت أيضاً بعض الخواطر التي لا تتعدى سطرين أو ثلاثة ولكنها مُنتقاة بعناية، كتاب خفيف، ينتهي في جلسة، ولكن ذو أثر كبير على النفس.
تتناول رواية "باقي الوشم" عائلة من البدون بالكويت، شكل حياتهم اليومية، المعاناة الواقعة عليهم بسبب خطأ لا باقي الوشم أو لعنة أن تُولد في الجانب الخطأ!
تتناول رواية "باقي الوشم" عائلة من البدون بالكويت، شكل حياتهم اليومية، المعاناة الواقعة عليهم بسبب خطأ لا يداً لهم فيه، مُتخذين من الجدة ذات السبعين عاماً مركزاً للأحداث، فكانت "حمضة السحاب"؛ هي المرجع التي نعود له، كُلما ضللنا الطريق، كالشجرة، واقفة، مُتماسكة، وصامدة، تنتظر ربيعاً لا يأتي. ومن خلال هذه الحكاية المؤلمة، يسرد الكاتب شخصيات العائلة المُختلفة، التي يوجد فيها أب عسكري، وأم ربة منزل، وأولاد يُكافحون من أجل كل شيء، مهما كان يبدو لك بسيطاً، وحتى لم تتعب فيه بحياتك الشخصية، على سبيل المثال: حق اختيار التخصص الذي تنوي دراسته، حتى هذا محفوف بالمخاطر بالنسبة لهم، بالإضافة إلى كونه مستحيل أيضاً. فما بالك بباقي الأشياء؟ إنها لعنة أن تُولد في الجانب الخطأ؛ هناك من وُلد فوجد حياته هانئة، لا تشوبها شائبة فما انفك يخلق المشاكل والعقبات في حياته اليسيرة، وهناك من وُلد ليجد أن ولادته في الأساس عبئاً ومشكلة، من أول يوم في حياته يكافح، حتى قبل أن يعرف ما هو معنى المكافحة والمُثابرة! تكافح ضد كل شيء، حتى نفسك، تخاف أن تجد نفسك يوماً ما، لا تُكافح، وتصبح حياتك رماداً تبقى من حريق دائم لا يتوقف.
"كان يستحيل التمييز بين الأشياء التي نُحب، وتلك التي فُرضت علينا، ذلك أن الاختيار كلمة ليست من شأننا."
أقرب الشخصيات بالنسبة لي كانت "محمد"، وفينا من التشابهات أكثر من الاسم، محمد الثوري الثائر، الذي يرفض وضعه، ويرفض الظلم الواقع عليه، فلا يتورع من الذهاب إلى المظاهرات أو الوقفات الاحتجاجية حتى ينل حقه، شعلة حماس لا تنطفئ، ولا يعلم من أين له بكل هذه القوة، كيف أصبحت الشجاعة سمة أساسية في شخصيته الأخف من ورقة شجرة، ثم تنطفئ جذوة محمد؛ وكلنا مررنا بتلك اللحظة؛ اللحظة التي نعرف فيها أن كل ذلك لا طائل منه، وأنه لا فائدة ترجو من كل ما يحدث، فيذهب الحماس بلا رجعة، وتكتسب نظرة خاملة، وكلمة واحدة ترددها بلا كلل أو ملل عندما تُسأل عن الأحوال والأوضاع؛ ألا وهي "طز"، فلا يوجد فارق، يبقى الظلم على ما هو عليه.
ختاماً.. رواية "باقي الوشم" كُتبت بحزن حقيقي، ووجع بحجم الكون، رغم أنها تحمل العديد من اللحظات اللطيفة بين دفء العائلة، وسمرهم، وحكاياتهم المختلفة، وأمل "حمضة السحاب" أن ترى الربيع، ولو لمرة. ولا بُد أيضاً من الثناء على لغة الكاتب، ففاجئتني الكلمات العتيقة المناسبة للأحداث، وخصوصاً في الأحداث التي تُستدعى من حياة "حمضة"، والتعبير عن كل شخص بلغته وألفاظه، فكان السرد متوازناً، يحمل ألماً ووجعاً، ومرحاً، ولكن بنظرة واحدة على أغلب الشخصيات ستجد أنهم يتألمون، ويتمنوا لحظة واحدة دون كل ذلك.
التجربة الرابعة لي مع "بثينة العيسى"، وهي بكل تأكيد التجربة الأكثر نُضجاً وعُمقاً وإكتمالاً حتى الآن، في ترتيب قراءتي لها زمنياً، فرواية "تحت أقدام ال التجربة الرابعة لي مع "بثينة العيسى"، وهي بكل تأكيد التجربة الأكثر نُضجاً وعُمقاً وإكتمالاً حتى الآن، في ترتيب قراءتي لها زمنياً، فرواية "تحت أقدام الأمهات" هي رواية كابوسية، وسودواية، رغم أنها بدأت أكثر البدايات إشراقاً وبراءة، ولكن ما تلى ذلك من أحداث كان عذاب لا ينقطع، تحت قبضة الأم "غيضة" التي نصبت نفسها إلهة عائلتها، فهي من تتحكم في كل شيء، مصائرهم ومشاعرهم وحتى أولادهم، وتأثير ذلك على أولادها، وزجة ابنها، وأحفادها، هي رواية أجيال بشكلاً ما، تحمل أصوات عديدة، وشخصيات ذات تفكير مُختلف، ولكنك لا تستطيع أن تُطلق أحكاماً على أي شخص، لا، ليس هنا في هذه الرواية، فالجميع مظلوم بنفس الدرجة، حتى "فهاد"، الذكر الذي حصل على كل شيء دون أن يُعطي أي شيء.
"عندما تمنحك الحياة شيئاً فهذا لا يعني أنها تُحبك أو تُؤثرك، بل يعني ذلك -وببساطة مُتناهية- أنها تعقد صفقة معك، وسيكون ثمة ثمن لكل شيء."
تُناقش الرواية الذكورية ووضع النساء في المجتمعات العربية، وعلى الأخص بداخل الكويت، عندما تُقرر "غيضة" بعد مقتل ابنها، أن تُغير قصة وفاته لتحوله من إرهابي إلى شهيد، وأن تجعل ابنه له ثلاثة أمهات! ولا يحق لأمه الحقيقية أن تقوم بعكس ذلك! هي ربة المنزل، لا يحق لأي أحد أن يقوم بشيء إلا بإذنها، ستُحرم أعياد الميلاد، ولكن عندما تُحب أن تحتفل بذلك ستحتفل، ستعطي حماية مُطلقة لحفيدها، حماية ستكلفه الكثير، في تربيته المُشوهة التي ستجعل منه طفلاً مشوهاً، بأفكار دموية وغريبة.
في الحقيقة، رُبما ترى أن هذه الرواية تدور حول النسوية والذكورية، ولكني أراها من زاوية أخرى، أراها مُحاولات التغلب على القدر والأصنام التي تتخلل حياتنا، محاولة الهرب من التنشئة التي يقوم عليها الجميع، أن تتشكل على أهواء العائلة والمجتمع، وبالأخص بالنسبة للنساء، والأمهات منهن، لا تعملي، لا تطمحي، لا تنظري، لا ولا ولا. ولكنني وجدت نفسي مُتعاطفاً بعض الشيء مع "فهاد" أيضاً، فهو قُولب ليصبح على هذا النمط والشكل، الواحد مثل أبيه، الذي يقول لكل شيء أريد فيحصل، لا يُرفض طلبه، وعندما يُخطئ لا يعاقب، وعندما يُجرم سينجو! طريقة تفكيره تشوهت بسبب جدته، والعادات والتقاليد. وللآسف أصبح مُطيعاً لهذا القالب الذي شب عليه، ونهايته تؤكد ذلك.
ختاماً.. رواية "تحت أقدام الامهات" هي أفضل ما قرأت لبثينة العيسى حتى الآن، رواية ناضجة بأفكار عميقة، وشخصيات مُختلفة، واستخدام الأصوات المُتعددة كان أكثر من موفق ليُعبر عن حال هذه العائلة، ونهايتها التي كانت رائعة، فالبعض يثور على قدره، والبعض لا، يكتفي بقبوله، حتى لو بسعادة زائفة.
رواية "السبيليات" للكاتب الكويتي "إسماعيل فهد إسماعيل" تُعرفنا معنى الوطن، والانتماء له، قيمة الأرض، والتشبث بها، رغم "لا قيمة للأشياء بغياب أصحابها."
رواية "السبيليات" للكاتب الكويتي "إسماعيل فهد إسماعيل" تُعرفنا معنى الوطن، والانتماء له، قيمة الأرض، والتشبث بها، رغم الحروب، رغم التهجير، رغم السياسة، رغم كُل شيء، لم تكن تريد "أم قاسم" إلا أن ترى قرية "السبيليات" تنعم بالحياة من جديد، يعمرها ضجيج سُكانها، الذين لفظتهم الحرب خارجها. السؤال الذي دار بخلدي طوال أحداث الرواية؛ هل يُمكن أن نعيش بلا وطن؟ بلا أرض؟ لماذا لم ترضى "أم قاسم" بأن ترحل في هدوء؟ لماذا تتشبث بجذور أرضها؟ ماذا قدم لكي وطنك يا "أم قاسم" حتى تربطي مصيرك بمصيره.
جمال هذه الرواية، أنه يُبين لك نتائج الحرب ودمارها دون أن يتطرق إلى ذلك مُباشرة، يكفي ذلك الخواء الذي حصل للقرية، التحول الرهيب للجنود، والطريقة العسكرية في تنفيذ الأشياء، طاعة عمياء، حتى في طعامهم، حياة على كف عفريت، ولا زالوا يُنفذون الأوامر في أبسط الأشياء، حتى قلبت حياتهم "أم قاسم"، للأفضل، أعطتهم أملاً بشكلاً ما، أن رغم كُل الشر الموجود، هناك خيراً.
"سألته مرة عن نوعية الألم الذي يُعانيه، ابتسم بأسى. كمن ينطحن بين صخرتين هائلتين."
ستظل حالة الكاتب "إسماعيل فهد إسماعيل" مُميزة وفريدة من نوعها، كويتي يكتب عن أوجاع العراق، لنا عبرة في ذلك، ليكون دليلاً واضحاً وهاماً على أن السياسات والحروب والعنصريات الراهنة، يمحوها الأدب، وأن جمال ما يُكتبه، يكون بلسماً على قلوبنا المُتفرقة والمُتشتتة.
ختاماً، رواية قصيرة، ولكنها جميلة، تحمل تأملات ومعاني كبيرة، ولا تخلو من الرمزيات بالطبع. يُنصح بها. ...more
“والأسوأ، من أن تعيش حياة لا تعجبك، أن تكون -بحكم المنطق- المسئول الوحيد عن هذه الحياة، أن تفقد حتى القدرة على أن تعيش بصفتك ضحيّة للظروف.”
التجربة الث “والأسوأ، من أن تعيش حياة لا تعجبك، أن تكون -بحكم المنطق- المسئول الوحيد عن هذه الحياة، أن تفقد حتى القدرة على أن تعيش بصفتك ضحيّة للظروف.”
التجربة الثالثة لي مع الكاتبة "بثينة العيسى" والتي لا زلت ملتزماً بالترتيب الزمني في القراءة لها، والرواية الثالثة زمنياً هي "عروس المطر"، واستطيع القول أن هذه الرواية هي أفضل ما قرأت نسبياً حتى الآن لـ"بثينة العيسى". فـرواية "عروس المطر" تناقش العديد من المواضيع الهامة بالنسبة للمرأة والمجتمع، وعلى الأخص المجتمع العربي، الذي يصر أن يضعها في قوالب مُتعددة معروفة سلفاً مثل قالب الجمال، وما يصح أن تفعله أو لا، وإلخ إلخ، وتوقيت نشر هذه الرواية يدل أن "بثينة العيسى" جريئة في مواضيع رواياتها، ووطريقة تقديمها، فـ"أسماء" هي فتاة بلغت من العمر ستة وعشرين عاماً، ولكنها ضحية لأشياء عديدة، والدها، الذي يتزوج بالدفعة ويجعل زوجاته أمهات بالدفعة أيضاً، ووالدتها، التي تركتها في وسط ذلك التخبط، وحدها، وسط خيالاتها وأوهامها، وحزنها الشديد.
"لماذا يصنع الإنسان وهماً يُضاعف بؤسه؟"
الحبكة كانت مكشوفة على مصراعيها من أول الأحداث، وخصوصاً في جملة معينة على لسان "أسماء"، فلم تؤثر بي النهاية، لأني كما ذكرت، كانت واضحة كالشمس بالنسبة لي، ولكن ما يُميز هذا العمل عن سابق أعمال الكاتبة، هو السودواية المُختلطة بواقعية لا جدال فيها، وطرحها من خلال شخصية "أسماء" كمثال على حالات عديدة لا نعرف عنهم شيئاً، بالإضافة إلى لغة "بثينة العيسى"، التي لا أستطيع أن أكف عن الثناء عليها في كُل عمل، لغة شعرية وتشبيهات ذكية وجميلة، لا تفصلك عن المضمون أبداً، بل تخدمه وتجعل له لوناً وصوتاً، وروحاً.
“الأسوأ من أن تعيش خائباً، أن تعيش عاجزاً عن تبرير خيبتك”
ختاماً، كانت تجربة جيدة، من أفضل ما قرأت لـ"بثينة العيسى" حتى الآن، وتُشجع على إكمال طريق طويل، ولكن يبدو أنه مُمتع ويستحق.
المجموعة القصصية "مرصد المتاهة"، للكاتبات الكويتيات "إستبرق أحمد"، و"أفراح الهندال"، والكاتبة السورية "سوزان خواتمي". تدور حول ثمانية عشر قصة، من خلال المجموعة القصصية "مرصد المتاهة"، للكاتبات الكويتيات "إستبرق أحمد"، و"أفراح الهندال"، والكاتبة السورية "سوزان خواتمي". تدور حول ثمانية عشر قصة، من خلال أخبار لفتت إنتباهنا، وأصبحت عالقة في المشهد كما ذكر العنوان الجانبي، ومرصد المتاهة، الذي أصبحنا فيها، فكرة العيش، في كُل تلك الأجواء، خلق متاهة نعيش فيها، ورُبما لو ألقيت نظرة على الغُلاف العظيم لتمكنت من فهم وجهة نظري.
تبدأ المجموعة القصصية بخبر، ثم يليها قصة لكل كاتبة، كتتمة للخبر، أو زيادة لشرحه، أو لتخيل مُستقبلي عنه، وبكل تأكيد أول ما سيلفت نظرك، هو التنوع المُدهش في طريقة سرد كُل كاتبة، بين الخفة والتكثيف، على حسب ما تحتاج رؤية كُل قصة، وكُل كاتبة. أيضاً، تنوع المغزى، فأحياناً كان واضحاً، وسهلاً، وأحياناً، كان يصعب الوصول عليه بعد أول قراءة، ولحسن الحظ، لم يكن النوع الأخير موجود بكثافة في هذه المجموعة.
وبالطبع كان التفاوت بين القصص، فهناك العديد من القصص الممتازة، والعديد من الجيد، أما القصص المُزعجة مثلاً، أو السيئة، فرُبما كان يوجد هناك قصة أو أثنتين. أما السمة العامة لهذه المجموعة القصصية فكانت التجريب، والحكي، وبالطبع، تعريفنا بكاتبات، تقص بشكل جيد، إلى الدرجة التي ستجعلني أُحب أن أقرأ لكلاً منهن عملاً مُنفرد. ...more
رواية "الخط الأبيض من الليل" للكاتب الكويتي "خالد عادل النصرالله"، تدور أحداثها بأجواء ديستوبية في بلد لا نعرف كُنهها، ولكن نستطيع أن نجده حولنا بسهول رواية "الخط الأبيض من الليل" للكاتب الكويتي "خالد عادل النصرالله"، تدور أحداثها بأجواء ديستوبية في بلد لا نعرف كُنهها، ولكن نستطيع أن نجده حولنا بسهولة، حول شخصية "المُدقق" الذي يعمل بإدارة المنشورات. المُدقق الذي أمضى حياته كُلها يقرأ ويقرأ حتى أصبحت وظيفته القراءة، فعمل بالإدارة التي تُجيز نشر الكتاب أو حرقه. أجواء مُقبضة ستصيبك بالذعر. ماذا لو حدث ذلك فعلاً؟ وأصبحت الكُتب تخضع لتلك الرقابة الصارمة؟ تُملي عليك الحكومة ما تكتبه، بل أن لفظاً واحداً قد يمنع كتابك من نشره! كلمة واحدة، هل تستطيع تخيل عدد الكتب التي ستتجه مباشرة إلى المحرقة؟ ومن هنا كانت الفكرة الجذابة للرواية، التي ربطتني بها، وجعلتني أغوص في سودوايتها، وحيرة شخصية "المُدقق"، الذي وجد نفسه بين نارين، نار منعه للكتب؛ الكتب التي يستمتع بها، ونار أن يوافق على نشرها، فيُقابل الجزاء الذي قد يصل إلى تخوينه، وإتهامه بأنه غير وطني! فإلى أي جانب سينتصر؟
فكرة الرواية ساعدت على الغوص داخل أجواء الكتب وما يُصاحبها، من المطابع، إلى الكُتاب، وعلاقة مقص الرقيب بالحكومة، وكيف أن تلك العلاقة طردية بحتة، فمقص الرقيب يخدم الحكومة، فيقص كُل ما يُساعد على الاعتراض عليها، بل ويُحدد الأفكار التي تُريد الحكومات ترديدها بلا كلل وبلا ملل، يُريدون شعباً مُعلباً جاهزاً، يحمل أفكار مُتشابهة، يُريدون شعباً لا يفهم، ولا يقرأ، وأن قرأ، يقرأ ما يجعله في صف الحكومة! ونرى مُعاناة الكُتاب المُختلفة، في مواجهة الحكومة، التي تتهم وتحبس وتسحل وتُهين، وتكفر بالخيال، والرمزيات، وتُعين الخُبراء ليفكوا شفرات الكتاب، وإن وجدوا ما يدل على أي اختلاف مع أفكارهم، قصوه، بل وقد يصل الأمر إلى الحبس كما حدث مع الروائية التي فازت بجائزة دولية، ولكنها أُهينت في بلدها. مُثير للسخرية، ولكنه واقعاً، لو رأيت الصورة من الخارج، لوجدته مُتجسداً في عالمنا، وأقرب مما تتصور.
ولكن كُل تلك الأفكار، المُثيرة للاهتمام، والتي حملت صبغة فلسفية أحياناً، عابها التدفق البطيء والذي قد يصل حد الملل، للسرد، أحياناً كنت أشعر أن الأحداث أما مُكررة أو قد طالت أكثر من اللازم بكثير، حتى أن الرواية بداخل الرواية، لم أصل إلى مغزاها تماماً، وشعرت أنها مُحاولة لتزويد التشويق عن طريق منح راحة عن القصة الأساسية، ولكن، تشابه أسلوب الكتابة، كان عاملاً إضافياً لزيادة الملل.
ختاماً.. وقعت رواية "الخط الأبيض من الليل" في فخ الملل، والتكرار، ولكنها لا تزال رواية هامة، تُناقش مواضيع عدة تمسنا وتخصنا، وندعو الله أن تكون أحداث الرواية الديستوبية، مُجرد خيال، لا واقع سنعيشه، ونجد أنفسنا نُخزن كُتبنا بمكتبات أرضية، لكي نُحافظ على الكتب من الإنقراض! ...more