تحكم في صبرك ... دليل عملي لتحسين مهاراتك

المؤلفون

د. بيدرو كوستا

طبيب متخصص في طب الأنف والأذن والحنجرة وجراحة عنق الرحم والوجه. بلجيكا.

العلاج المعرفي القائم على اليقظة العقلية

جراكا كوستا

ماجستير ودكتوراه في الأنثروبولوجيا

مهندسة معمارية، جامعة بيرنامبوكو الفيدرالية، ريسيفي، البرازيل

فنانة تشكيلية

مدرسة الرسم والتصميم الجرافيكي، المعهد الفيدرالي للتعليم التكنولوجي، ريسيفي، البرازيل.

تمهيد

الراهبة كوين

يُعدّ الصبر واحدا من أحد البرامترات الستة في تعاليم بوذا، والذى عاش في الهند منذ أكثر من 2600 عام وشهد عصر التنوير، وأشار إلى أن هناك ستة عناصر أساسية يمكن أن تساعد الإنسان في الانتقال من المعاناة إلى الهدوء والراحة، واعتبر الصبر أو شانتي باللغة السنسكريتية أحد هذه العناصر.

والصبر لا يعني التحمل المستمر، أو الاستسلام، أو البقاء هادئًا منتظرا حدوث التغيرات؛ على العكس من ذلك، يمكن تعريفه بأنه: القدرة على التعرف على ما يحدث مع نفسك ومع أي شخص آخر ومع العالم من حولك وتَقبّله ومن ثم تغييره.

وكما أشار المعلم والمربي البرازيلي باولو فريري يتطلب الأمل النشاط والهمة وليس الكسل والسلبية، ولكن التساؤل الأساسي هنا: ما الذي يمكننا فعله لتحويل نفاد الصبر إلى صبر؟

الصبر هو: الانتظار والهدوء وابتكار أسباب وظروف التغيير لكي يحدث بطريقة مناسبة وسلسة دون إهانات أو كراهية أو نفاد صبر أو نفور أو استبعاد أو إلغاء.

وفي هذا الكتاب؛ يقدم بيدرو كوستا تحليلًا مهمًّا للحالات المتغيرة للوعي، ويقدّم إرشادات واقتراحات حتى نتمكن من إدراك الحالة المزاجية لدينا وتطوير القدرة على التعامل معها. فالصبر ضروري للحصول على صحة جسدية وعقلية واجتماعية.

إذا قمنا بتهيئة الظروف لعلاقات أكثر تناغمًا واستمرارا وصدقًا سندرك معنى السلام الداخلي والخارجي.

إن إدراك السلام لا يأتي من فراغ ولكن يأتي بالتدريب والمران.

نحن بحاجة إلى معرفة أنفسنا بعمق، وفَهْم تعقيدات العقل، ومعرفة كيفية التعامل مع حالتنا المتغيرة.

الحالة الطبيعية للعقل خالية من التعلق والنفور، والتسرع أو اليأس والقلق مثل نقطة الصفر.

ومن خلال المنبهات سواء أكانت داخلية أو خارجية نترك النقطة المحايدة عند الصفر، ويمكننا التحرك للأمام أو للخلف.

عندما نبدّل السرعات في السيارة باستخدام ذراع نقل التروس، نحتاج إلى الاستماع إلى المحرك، وانتظار اللحظة المناسبة للتغيير.

إنه يتطلب تدريبًا، وقَدْرًا مناسبا من الانتظار، ودرجةً ما من التيقظ، والحضور الصافي فالمفتاح بالنسبة لي هو أن أكون حاضرًا تمامًا في اللحظة الحالية دون تسرع، ولكن بإصرار، وملاحظة، وفحص، وتَفهّم ومن ثم التصرف.

ليس فقط الرد على الأحداث المثيرة للضيق في العالم المحيط، ولكن اتخاذ قرارات بشأن كيفية التعامل مع هذه الأحداث.

التعاليم الستة لبوذا والتي تتضمن الكرم والعطاء (دانا)، وأخلاقيات الحياة (شيلة)، والصبر (كاشانتي)، والجهد والمثابرة (فاريا)، والتأمل (دهيانا)، والتفهم (برجنا)، تكمل بعضها البعض، ولا يمكن التعامل مع واحدة دون الأخرى، وعندما ننجح في توحيد كل هذه الفضائل المثالية واستخدامها، سنكون قادرين على الوعي باللحظة الراهنة وتحقيق الرفاهية.

لقد كتبتُ هذه الكلمات بدعوة من بيدرو كوستا مؤلف هذا الكتاب، وأنا راهبة دينية بوذية ولا أعمل بشكل مباشر في مجال اليقظة العقلية.

تُشدّد أعرافي وتقاليدي بقوة على فهم الفراغ والإدراك العقلى المجرد ؛حيث يتدفق كل شيء بلا ثبات أو ديمومة.

الوعي الكامل والذي يُطلَق عليه (دارانا في اليوغا) هو شرط أساسي لممارسات التأمل والذي يُسمَّى الزن، والجلوس في حالة الزن - ممارسة الزن – يعني: التواصل مع نفسك؛ حيث إنه يتضمن اليقظة والقدرة على تغيير حالتك الذهنية من خلال المعرفة والفهم والرحمة والحكمة.

لقد ترك بوذا أيضًا تعاليمَ حول كيفية تنمية الصبر، وتشمل هذه التعاليم: مايتري (الحب)، والكرونا (الرحمة)، والموديتا (الفرح)، والأبيكشا (الاتزان).

إن تطوير هذه الأفكار والصفات يتطلب توسيع الوعي والسماح بإظهار التعاطف اللامحدود، معرفة كيفية الترحيب والاعتراف والقبول وهذا يمنع المعاناة والألم.

الصبر هو أعظم هدية يمكن أن نقدمها للعالم ولجميع الأشخاص الذين نتفاعل معهم بشكل مباشر أو غير مباشر، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن التدريب على الصبر؟

اِفتح هذا الكتاب، واقرأ، وجرّب، وكرّر، وتعلّم، وطوّر قدرتك على تغيير الواقع من خلال الحب والرحمة والاستمتاع بالحياة والاتزان - مع الاعتراف بأن جميع الكائنات، وجميع أشكال الحياة، لها نفس الحق في الحياة.

تذكر أيضًا أنه لا يوجد شيء باقٍ، وأن كل شيء سيزول.

نحن نتشارك الحياة على الأرض مع جميع الكائنات، ويمكننا أن نتعلم انتظار الوقت المناسب وابتكار الأسباب والظروف المهيئة للنمو.

عندما يتغير شخص ما، تتخذ البشرية جمعاء خطوة نحو هذا التحول فنحن قادرون على فعل الكثير حيث يمكننا تغيير الواقع.

استيقظ وانهض، اِتَّبع التعليمات وتدرّب على اليقظة العقلية. إنه تدريب على الوجود الخالص.

إنني أؤكد مرة أخرى: اِقرأ وافهم واتّبع التعليمات؛ حيث لا توجد آثار جانبية ضارة بل على العكس من ذلك تماما؛ ستكون جميع التأثيرات الثانوية مفيدة وستقودنا إلى ثقافة السلام والعدالة والشفاء لنا ولجميع الكائنات على سطح الأرض.

الممارسة ليست منفصلة عن الإدراك. كن حاضرًا في صلاتك.

الراهبة كوين

مقـــدمـة

مقـدمـة

ونحن في أرحام أمهاتنا نمر بلحظات من الانتظار؛ السباحة في سائل خصب، والاستماع إلى أصوات لا نفهمها، واكتساب الشكل والمعرفة، والنمو والتطور لأشهر عديدة، حتى بدون أي فكرة عنها، تعطينا الطبيعة دروسها الأولى حول أهمية تحالف أنفسنا مع الوقت، وهو أمر ضروري جدًا للنضج، حتى نتمكن من تجاوز حدود واقع الولادة.

منذ ذلك الحين، نواجه باستمرار المشاعر والأفعال والمواقف التي تتطلب منا بذل جهد مستمر لتطوير صفة أساسية تساعدنا على مواجهة أكثر ظروف الحياة تنوعًا؛ ألا وهي الصبر.

ومنذ نعومة أظافرنا تساهم هذه الكلمة في تشكيل شخصياتنا وأفعالنا وردود أفعالنا فنسمع كلمات وأوامر تنطوي عليها على سبيل المثال: تَحلّى بالصبر يا بُنيّ، كن صبورًا!، الصبر!. في المقابل نحن كائنات لدينا القدرة على التكيف مع المواقف الأكثر تنوعًا، وفي صراع دائم بيننا وبين الآخر، والذي يتطلب منا التكيف والتحكم في مواجهة اللحظات الصعبة، وفي سبيلنا لذلك نعمل يوميًا لتطوير مهارات تساعدنا على التعامل مع العقبات التي تنشأ في حياتنا اليومية.

الصبر فضيلة وهِبَةٌ وشعور، ولكنه أيضًا بناء وتعلم وتمرين فردي يتدخل بشكل مباشر في حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية وفي سعادتنا.

الصبر هو العنصر السري الذي يثري الحياة ويجعلها تتسم بالهدوء والتسامح، وهو الصديق المخلص الذي يمنحنا الوقت لتقدير خبراتنا وتعميق مشاركتنا في كل ما نقوم به وفي المقابل فإن نفاد الصبر بدوره له طبيعة قاسية وثقيلة تؤدي إلى إضعاف الجسد والعقل.

عندما نركض للإمساك بشيءٍ ما بفارغ الصبر، يصبح تنفسنا سريعًا ومفاجئًا، وتصبح حركاتنا متسرعة، وتصبح أفكارنا إلى حد ما خارج نطاق السيطرة، وعندما ينفد صبرنا، نبدو مثل الأطفال المدلّلين الذين يعتقدون أنهم سيحصلون دائمًا على ما يريدون في أى وقت وبطريقة غير ناضجة، ونحن عندما نواجه عقبات أو مشكلات لا يمكن التغلب عليها فورًا، نتفاجأ ونشعر بالهزيمة.

يعتبر مفهوم الصبر الكامل من المفاهيم الشمولية التي لا يمكن التعامل معها مثل تعاملنا مع بعض المفاهيم الأخرى كالهدوء الجزئي مثلا. فإذا لم تكتمل إرادتك للصبر فسوف تفقده، وبالتالي يظهر نفاد الصبر، وإذا كنت تريد ترويض صبرك، فافعل ذلك بشكل كلي، وسوف نحقق ذلك سويا خلال هذا الكتاب، ومن خلال القراءة سنصل إلى تحقيق فهمٍ دقيقٍ للصبر الكامل وعلاقته بممارسة اليقظة العقلية.